Tuesday, June 3, 2008

تنذكر ..ما تنعاد






رأته...! كان يجلس بطاولة بعيدة في ركن المقهي. وحيداً, يبدو شارداً وفنجان القهوة! تسللت شعيرات فضية الي رأسه علي رغم سنواته التي لم تتجاوز الثلاثين الا بقليل. كانت تعلم ان زواجه مُني بالفشل, وبدأت أعماله تنهار, سافر وعاد..ثم سافر مجدداً..وأخيراً عاد ليستقر و يلملم شتات ما تبقي! كان هناك, يفصلهما بضع طاولات, ووجوه تثرثر وتضحك ..وجوه لا تدري انها تقف امام فواصل زمنية وذكريات امتدت لامد بــعــيـد.. تقف بينها وبينه! ظلت ترمقه من خلف نظارتها السوداء بحرية تامة, تري عبث الزمان به وتسر الي نفسها "اللهم لا شماته", فهي لم تسعد ابداً بحالته تلك, حتي حينما علمت بطلاقه, اسفت له ولما آل اليه, تتسائل اين هو ذاك الشاب الذي عرفته فيما مضي فارساً مغواراً يملك الدنيا...و أحبها يوما ما! او هكذا ادعي حتي حينما تركها بدعوي تحقيق أحلامه التي هي لم تصر جزءاً منها ! حينها , ثارت ثائرتها, صمتت, بكت, غضبت, كرهته, هدأت...سامحت... و نـ ـسـ ـت! بحثت بداخلها اليوم عن هذا الغضب حينما علمت بعدها بزواجه التقليدي , لم تجد... حتي انها بحثت عن كلمات الكره –او حتي الحب- لتكيله اياها حتي لو من خلف نظارتها في صمت ...فلم تجد ايا منها ايضاً! انه هنا اليوم في مواجهتها مثلما تمنت اعوام مضت, لتقفز بين ذراعيه كطفلة ان شاءت, او لتحييه بترفع وغرور جارحة كبريائه, او لتنظر اليه نظرة عشق ...او حتي لتصفعه لما فعله وعلي ليالٍ بكت فيها وحيدة وجرح ينزف بلا هوادة.... ولكنها لم تحرك ساكناً, فقط تترتشف من قهوتها بهدوء, ناظرة اليه من خلف نظارتها السوداء! كأن البركان الكامن داخلها من حب و حنين و غضب قد خمد بفعل الاعوام! لا... بل خمد يوم ان هاتفها يبكي بعد فشل زواجه, وهي لم تجد كلمات سوي انها قد سامحته –والاهم انها سامحت نفسها- علي ما مضي, وان عليه نسيانها.. هكذا اجابته بكل هدوء وكبرياء ! تتعجب اليوم, فهي لا تستطيع حتي استدعاء اية ذكري صغيرة لهما جعلتها تبتسم, كلها رؤي بعيدة لايادي متشابكة, لاعياد ميلاد, لضحكات.. اشياء فقدت خصوصيتها..وفقدت سحرها! وكلها تفاصيل صغيرة كانت تعذبها يوماً ما, تؤرقها ليلاً وتعذبها نهاراً...ولكنها اليوم لم تعد هناك! كأن كل هذا لم يكن..كأن كل ذلك لم يحدث لها هي... كأنه لم يسمعها كلمات العشق الحارة, كأنها لم تمسك ابدا هاتفها عند منتصف الليل لتهمس له "احبك"..كأنه لم يقدم لها وردة مع كلماتٍ لفيروز.. كأنه حلم بعــــيد...او كابوس وانتهي ! تردد لنفسها, ان حقاً ما مضي قد مضي, حتي الجرح لم يعد جرحاً!! رؤيته اليوم لم تحي ذكري حب قديم, ولم تحي مشاعر كره حتي, فهي لم تر فارسها هناك بحصانه الابيض, ولم تر قاتلها كما كانت تسميه عندما افترقا... هي لم تر سوي شخص ملامحه مألوفة, كتلك الوجوه من حولها, يحتسي قهوته في شرود في ركنٍ بــمقهي!ه
.
.
.
انتهي زوجها من مكالمته الهاتفية التي شغلته عنها, سألها ان كانت علي استعداد للرحيل, ابتسمت مؤكدة, دفع الحساب, ولف ذراعه بحنان حول كتفييها العريضين, خرجت دون حتي ان تلتفت , او تلقي نظرة اخيرة! بالسيارة, خلعت نظارتها السوداء, ونظرت الي زوجها بثقة وقالت " تعرف؟.... انا بحبك بجد"ه


.


.


العنوان: اغنية لفيروز


.


.