Friday, March 9, 2007

تاكسي


لازم اعترف ان التاكسي ده الاختراع السحري و منقذي من جميع الاماكن و المواعيد, لا تقولي ميكروباص و لا باص اخضر و لا احمر و ميني باص اربعتاشر... انا اتبع مبدأ "هين قرشك و لا تهين نفسك".. واللي هو اركب تاكسي و انجز.. و خاصة ان مفيش في حيي السكني مواصلات عامة كتير..و عشان اوصل لمحطة و لا موقف ميكروباص لازم اركب تاكسي برضه لاخر الشارع يعني التاكسي لا مفر منه
.
السائق : انا عامل زي السمكة و التاكسي عامل زي حوض السمك.. السمكة عمالة :تروح و تيجي و حوض السمك سجن صغير. تخبط في قزاز العربية الناحية دي و بعد كدة تخبط في القزاز الناحية التانية

.

والحقيقة..نوادري مع التاكسي كتير.. رغم اني باقعد في حالي باسرح وانا باصة من الشباك.. هادية مش ح احكي مع السواق..الا ان طبعا السواق الغلبان قاعد طول النهار نفس القعدة نفسه يتكلم في اي حاجة..ف بسيبهم يحكوا و اقعد اسمع في صمت ,نادرة المشاركة و كل ردودي من نوعية :اه صح.. ربنا يكرم..ربنا يستر.. ربنا يسهلك طريقك وربنا يرزقك..فيه اللي حكي ازاي ربي ولاده لغاية ما بنته اهيه بتحضر دراسات عليا.. (ماشاء الله) و عم الحاج الكبير في السن اللي وصف لي طريقة طبيعية من ورق الجوافة و غلي الليمون بقشره للقضاء ع البرد و الانفلونزا..و من المفارقات اني مرة ركبت تاكسي و مع السواق العجوز وقت الانتخبات بتاعة مجلس الشعب قعد يسب و يلعن في دايرة امال عثمان اللي حصل فيها تزوير..و بعديها باكتر من اسبوعين ركبت مع نفس السواق تاني و اقتكرني و قعدنا برضه نتكلم علي ما بعد الانتخابات و اكتساح الاخوان
.
السائق: انت عارف انا عندي حلم كبير .. حلم انا عايش علشانه.. ما هو الواحد من غير حلم ما يقدرش يعيش .. يلاقي نفسه وخم عل طول, مش قادر يتحرك من علي السرير, يكتئب, يبقي عايز يموت. انما بالحلم تلاقي الواحد يتحرك رهوان, يبقي فريرة, نار قايدة ما تطفيش

.

وفيه السواق اللي علق علي نغمة ام كلثوم اللي علي موبايلي..و الله فيكم الخير انكم لسة فاكرين الست.. و بص للراجل اللي كان راكب قبلي..قليل لما لاقي حد يحط ام كلثوم.....و فيه السواق اللي مستعجل عشان الماتش..ان شاء الله ح نكسب.. احنا شعب غلبان كانت ام كلثوم و الكورة بس هي اللي تفرحنا..و فيه اللي اسأله (لو المشوار كبير) ح تاخد كام؟ اللي تجبيه مش ح اقطع رزقي! وفيه اللي كنت راكبة معاه راجعة من ايام ثانوية عامة من درس متأخر الساعة حداشر بالليل وفوجئت بالسواق استئذن من الراكب اللي كان معاه من قبلي انه يوصلني الاول (مع اني مش طلبت منه كدة) و لقيته هو والراكب ده بيتعازموا و يصروا انهم يوصلوني الاول و يشكروا بعض.. وانا اللي طلع عليا اقوله " انا بجد مش عارفة اشكركم ازاي" –جدعنة اهل بلد بجد من غير ماتطلب و لا تتكلم
.
السائق: ابويا الله يرحمه كان دايما يقول اعمل خير حيرجع لك خير.. عامل زي الصوت وصدي الصوت لو مطلعتش صوت عالي من قلبك مش ح تسمع صداه.. وكمان الخير لو ماعملتش خير من قلبك للناس عمر ما حيرجعلك خير..الله يرحمك يا ابويا
.
و برضه فيه السواق الجشع اللي المشوار ابو خمسة عايز فيه عشرة.. و فيه السواق المتهور اللي ماشي يشتم في خلق الله و هو ماشي و يلعن في الحكومة و اللي مركب الناس ديه عربيات بملايين ماشية ع الارض..فيه اللي قعد يتكلم عن الازواج و ازاي الست تحافظ ع الراجل و الراجل يحافظ ع الست و اول ما اتكلم علي علاقتهم الخاصة قلت له "ح انزل ع اليمين هنا يا اسطي"..فيه اللي يبص لك بقرف و يقولك هي الاجرة كدة... تقوله الدنيا مش غليت عليك لوحدك.. يقولك و انتوا بتفرق معاكم!!..لكن برضه قابلت السواق المسيحي العجوز اللي يودعني وانا نازلة بحنية ابوية عشان الوقت متأخر و ماتخلي بجد يا انسة بابتسامة لم تفارقه تنسي الواحد القرف اللي بيشوفه طول النهار!
.
السائق : كل حاجة في الدنيا دي ليها جمالها..يكفي انك تفتح قلبك عشان تشوف الجمال اللي حوالينا..لكن لو انت زي معظم الناس مقفل قلبك ح تشوف النور اللي بيضوي حواليك ازاي؟


.
فيه اللي حكي لي ازاي انه كان في العراق..و البلد الجميلة قبل الضرب و الحرب..فيه اللي حكي عن تركيب الغاز بدل البنزين وازاي انه بيوفر له ..فيه اللي يقعد يتكلم علي نواب القروض..و الشوارع المكسرة اللي بتبهدل العربية..و الراجل الرتبة اللي ركب و مدفعش ولا مليم...فيه اللي مارس عليا الخدعة الشهيرة ان ابنه في المستشفي و مراته عيانة و انه رايح يجيب دوا و الاشعة... و انتي و ضميرك يا انسة...فيه اللي بيسب و يلعن في البنات اللي بتسوق..وفيه اللي اديلوا العشرة جنيه و اقوله هات الباقي و يقولي لا هو كدة حلو و يخلع.و فيه اللي يسألني مسامحة يا ابلة؟ وفيه اللي قعد يحكي ازاي سحبوا منه الرخصة و اضطر يدفع رشوة للضابط عشان ترجع له..و فيه اللي قعد يقول ازاي ايام السادات كان يروح بورسعيد و يشتري جهاز بناته من حاجة مطبخ.. ماركات كبيرة و بسعر رخيص..و يحكي ع الوكالة وازاي انحدر حالها للاسوأ..و ايام ما كان التفاح الامريكاني كان بكام و ايام الجنيه الجبس..و بعدين يقول الحمد لله..و يتحسر ع الايام الغبرة اللي عيشينها
.
السائق: ضهري اتيبس عل وضع القعدة دي.. اما باجي افرد جسمي بالليل ما بعرفش..ضهري بيوجعني اما بافرده..و العربية قديمة و مخرمة من كل حتة و السخونية بتاعة الموتور بتطلع علي رجلي و علي جسمي في الصيف.. ببقي عامل زي الكبابجي قدام اسياخ الكفتة.. الفرق انه بيشم ريحة لحمة حلوة و اننا باشم ريحة بنزين محروق
.
ده غير التاكسي في المنصورة (رحتها مرة زيارة خاطفة مع انها مش بلدي اصلا لاني قاهرية صرف :)..و تجولت فيها ع الكورنيش بالتاكسي..وتلاقيه يركب امة لا اله الا الله...طول ما هو في الطريق يركب ناس.. وكأن الموضوع عادي و الناس مش متضررة زي القاهريين. عادي ولا كأنه ميكروباص..هو ملزم انه يوصلك في لمكان اللي انت عاوزه بدون تأخير بس من حقه يركب اخرين يسترزق..و بعد مشوار طويل لا يقل عن تلت ساعة...في القاهرة ياخد فيه 5 جنية بالميت و يتخانق معايا كمان.. اديت للسواق عشرة جنيه و قلت له هات انت الباقي معيش فكة معلهش.. والاقيه مرجعلي تمانية جنيه لوحده عن رضا!!
.
السائق: والله عمري ما حسبتها, كسبت جنيه بأصرف جنيه, كسبت عشرة بأصرف عشرة.ممشيها بالتكال و علي فكرة مفيش سواق في مصر يقدر يقولك بيكسب كام.كله بالتكال

.


لكن يجي كتاب خالد الخميسي "تاكسي" عشان يكمل لي الصورة..و الاقي ان كل اللي شفته موجود فعلا و اكتر كمان.. في كتابه اكثر من رائع المتوافر الي الان بطبعته الثالثة عن دار الشروق..باسلوب سلس و اكثر من رائع.. ياخدك خالد الخميسي في هذا التاكسي الاصيل جولة ما بين مدرسة اولاده.. الي المهندسين.. لمدينة نصر للمعادي.. بتنهج وراه ...عايز تعرف رحلته في تاكسي الحياة ح يقابل مين و ح يسمع ايه.. ناس بسيطة بتكشف الزيف او الجمال اللي في الحياة.. ناس بتتكلم عن توشكي , عن التعليم, عن الفساد, البورصة, الاقتصاد, الانتخابات, عن روعة الحياة احيانا, و عن كأبتها كثيرا...معاه بتسمع الكلاكسات.. الضحكات.. الزعيق.. الحكاوي.. النكت..شرايط الكاسيت الدينية,, ترانيم الكنائس.. نجوم اف ام..و ثومة.. خالد الخميسي صور الحياة من داخل صندوق ذي اربع عجلات,, يمشي مسرعا احيانا و متباطئا كثيرا ,مرتحلا في دوامة الحياة
.

.
دار كل ده بذهني وانا راجعة من الكلية و التاكسي اتعطل بيا بعض بضعة امتار .. بهدوء سبت السواق يربط معرفش سلك ايه اللي اتقطع..دخل السائق يعتذر مرارا و تكرارا.. بأدب شديد.. علي مهلك و لا يهمك.. عربية قديمة للغاية.. الاسلاك عارية و متلصمة.. لدرجة ان ابتديت اشم ريحة الحريق من جوا.. صلح المشكلة و العربية دارت اتأسف تاني.. يا سيدي رزقك علي الله و لا يهمك مش مستعجلة (مع ان الساعة ستة بس خلاص ده رزقه وده نصيبه) شوية و ينصحني : لازم تتعلمي السواقة يا ابلة؟..ولما قلت له اني مش باحبها مش امان و باخاف منها...و ع الاقل مش دلوقتي.. صدق علي كلامي و دعا لي.. بعدها حكي لي عن ابنه اللي نجح بالثانوية العامة و دخل تجارة حلوان انتساب بالعافية.. انما اجتهد و موت نفسه بالجامعة و جاب جيد جدا و حول جامعة القاهرة طبقا لتوزيع الجغرافي للمنطقة السكنية للطالب.. وازاي انه فضل ورا ابنه انه يتعلم..وصرف عليه و علي دروسه..اصر السواق الطيب انه يوصلني الي باب العمارة.. ولف الشارع مخصوص مع ان كنت نازلة اعدي.. قالي مش كفاية استنيتي لغاية ما العربية دارت.. مش ح اوصلك يا ابلة؟..كان يكفي دعائه..و ابتسامته..و ودعته ودعوت له
.
السائق : انا كل يوم باخلص وردية التاكسي و انا خايف..خايف علي ولادي و خايف من المستقبل و خايف من الدنيا و بعد ما اخلص وردية الصيد ببقي كلي امل. امل في بكرة و ثقة انه انه كل شئ ح يبقي تمام و ان ربنا مش ممكن ينسانا.. ده مصر مذكورة في القران واحنا جند الله..ازاي بقي ح ينسانا.. مش ممكن" و كان اسم السائق " شريف شنودة"






_____

المقتطفات اللي باللون
الاحمر

مأخوذة من كتاب خالد الخميسي الرائع :تاكسي -

حواديت المشاوير