لماذا علينا أن نرحل دائماً؟ لمَ على عقارب الساعة أن تتسابق لتنهي أحاديثاً لم تنتهي؟ لو فقط انتظرا قليلاً ... لو فقط توقف الكون هناك..وتدخلت فيروز في الخلفية "سألتك حبيبي لوين رايحين..خلينا خلينا وتسبقنا سنين*"..لو فقط ظلا هناك للابد .. يحتسيا القهوة وتصاحبهما الشيكولاتة .. وساعات الكون متوقفة، لا يستمعا سوى لموسيقى قلبيهما!! ألا توجد في القواميس كلمات "الأبدية" و "إلى ما لا نهاية"...؟ تتسائل: لم لا يحدث هذا الان ، لها..معه.. ؟!! كيف لعقارب الساعة اللعينة ألا تمهلها الوقت للمماطلة قليلاً؟ لم يسع الوقت مثلاً أن يلقيا برأسيهما للخلف لمشاهدة النجوم... وتسأله عن عددهم، فيبدئا بعملية عد عبثية لا تنتهي، يحصي النجوم، وتحصيها ايضاً وسيختلف العد..فتضحك بخبث اطفال محبب..."طيب نعد من الاول"! كانت ستجدي الحيلة تماماً: ان يبقيا معاً لأطول وقت ممكن! كانت لديها المزيد من الحكايا... كانت ستحكي له مثلاً عن وصفة معقدة جدا ً"لـ كيكة البرتقال" ... فتكتشف ان الوصفة لا يستلزم شرحها إلا دقائق قليلة.. فتصف له طريقة عمل كيكة القرفة.. وكيكة الزبادي.. وأي كيكة اخرى تعرفها أو لا تعرفها! لكن هي يجب ألا تتأخر وهو يجب ان يلحق بشئ ما! دائماً هناك هذا "الشئ الما"!والمعضلة الأبدية الذي لا زالت تؤرقها: لمَ عليها ألا تتأخر؟ لم عليها ان تعود؟ سؤال عبثي آخر. مثل سؤالها الدائم منذ ان كانت صغيرة: لماذا على سندريلا ان ترحل في الثانية عشر؟! ألم تكن سندريلا سعيدة، تمضي وقتاً مع أميرها غير عابئة بأي شئ..أياً يكن؟ ما جدوى عبث القصة أن ترحل سندريلا مسرعة مع دقات الساعة، ليعودا ليلتقيا بعد حين وبعض من العوائق؟ انها تلك الوداعات المؤقتة!! ألم تقل له انها تكره كل مفردات الوداع بكل أشكاله...حتى لو كانا على عهد بلقاء آخر!! تلعن في سرها كل وداع وكل فراق وكل رحيل وكل أشكال اللحظات المنتهية!! ثم ماذا دهى سائقي التاكسي أن يأتوا سريعاً هكذا مرحبين بمكان عودتها!! كم انتظرت التاكسي في أوقات كثيرة ولم تجد.. أو يتذمر السائق بأن المكان مزدحم أو أي شئ من هذا الهراء!! لماذا التاكسي الان..فقط الان.. يأتي متلهفاً على فراقهما ورحيلها، منهياً وجودهما في تلك اللحظة السحرية!! ألا يعرف أن هناك أوقاتاً سحرية عليها أن تستمر للابد؟ ألا يؤمن سائق التاكسي، وعقارب الساعة،والليل بالأبدية مثلاً؟ ومتي هذا "الأبد" اذن؟ هي لم تنتهي من الانصات إلى صوته وهو يتحدث عن كل شئ وأي شئ....هى لم تنتهي بعد من حفظ نبرة صوته، وضحكته، وحتى صمته!! تتسائل لو كانت قفزت بين ذراعيه وطلبت إليه "متروحش" هل كان هذا المطلب -الجنوني -الطفولي سيجدي بأن يظلا هناك وفنجان القهوة لازال دافئاً، يظلا حبيسا تلك الليلة السحرية؟!!ه
.
لكنها لم تقفز بين ذراعيه..ولم تضرب بقدميها الصغيرين الأرض بأنها لن ترحل الان..ولم تبحث عن زر الايقاف لساعات الكون...ولم تتوسل القمر أن يظل معلقاً بالسماء! هي لم تفعل أي شئ من هذا...هي فقط عادت في الوقت المحدد، لم تتأخر كما تقول القصص التي تعود فيها البطلة دائماً ! عادت وحيدة.. كتلك النجمة الوحيدة بالسماء دون قمرها ! هي أيضاً لم تجمد الوقت بعصا سحرية وبقيت هناك....معه. لا،لم تتحقق أمنية الصغيرة، هي فقط عادت لتحفر تلك الذكرى بقلبها، متعهدة أن تُجمد تلك الليلة للأبد، عادت لتحيك أطول "كوفية صوف للشتا" في هذا الجو الصيفي الحار ...تحيك في صمت مسموع..سطور تتضافر وتزيد وتُطيل الكوفية... ستستمر في الحياكة إلى الـ "ما لانهاية"..فقط تسجيلاً للذكرى، لتتدثر بها يوماً ما.. فهو الشئ الوحيد الذي تجيد تحقيقه الان..الحياكة/والحكاية...لعل وعسى !ه
*
يا حبيبي .. يلا نعيش في عيون الليل
ونقول للشمس تعالي بعد سنة .. مش قبل سنة
دي ليلة حب حلوه بألف ليلة وليلة..بكل العمر ..ه
هو العمر إيه غير ليلة ..زي الليلة..زي الليلة*ه
____
تمت
.
الرسمة لسوزان عليوان*
فيروز، سألتك حبيبي*
أم كلثوم، ألف ليلة وليلة*
العنوان، مقتبس من وعد رفعت اسماعيل لماجي -لكاتبه أحمد خالد توفيق*
.
.