Wednesday, April 2, 2008

أحلام ماكينة الخياطة




كنت هناك لاستلم ملابسي الجديدة.. نحيلة هي ...ازدادت ذبولاً منذ اخر مرة رأيتها الاسبوع مضي ... طفلتها الصغيرة التي لم تتعد بعد السنة..تملأ الحجرة صراخاً كعادتها..بل كعادة الأطفال ..و امها عاكفة علي ماكينة الخياطة! الدبابيس.. المقص.. القماش الملون ..المكواة...هو ما كل ما تقع عليه عيناي في هذه الحجرة....أما هي...فهي تتحدث بلا انقطاع!ه


.
اعتدت ان استمع لها صامتة..و هي منهمكة في عملها...من قص..و تحديد القياسات...و بيدها قطعة الطباشير الاحمر.. لترسم علي قطعة القماش الخطوط! تنطلق بالحديث.. ليستمع لها البعض باهتمام و يشاركنها الامها.. و اخريات تضجر من حديثها المطول..و ينشغلن بتصفح اعداد قديمة من البوردة" ...لكن طالما انت في بيتها..لا مفر من الاستماع لها.ه


.
"هي دي شغلتي اللي بحبها..الخياطة..اتعلمتها علي ايد اختي الكبيرة – الله يمسيها بالخير - و بتجيب قرش كويس .... ممكن خمسين و ممكن تلاتين . .وممكن مية.. ممكن اشتغل اسبوع..وممكن اقعد بالشهر ماشتغلش..دي اصلها ارزاق .. اربع عيال و ابوهم .. الماكنة بتصرف عليهم .. الشغلانة مش مضمونة ... و لسة فيه مصاريف العيال و ايجار الشقة اللي لازم انقل منها اخر الشهر..و دروس البنت الكبيرة..و مصاريف العيّلة اللي علي حجري دي..غير الاكل و الشرب و اللبس"
ه


.
تنحني
لتبحث عن الخيط الرمادي ليناسب ما تحيكه.. تهدهد الصغيرة قليلاً.. و تعود.. منحنية علي ماكينتها.. و عيناها لا تفارق هذا الخيط الرفيع.. لا يقطع الصمت سوا صوت "موتور" الماكينة المتهالكة!ه


.
"اما النطع اللي جوة . .طويل عريض . .و سايبني اتبهدل .. فاكر نفسه لسة في بلدهم في المحلة .. ايام العز .. في دكانة ابوه .. متعودشي اصله ع الشقي . .وجه القاهرة .. يشتغل يوم و عشرة لا .. عارفة ديكي النهار .. راح اخد الفلوس اللي حيلتنا و قام اشتري فيسبا .. و اشتغل طيار.. .ومفيش اسبوع و ساب الشغلانة. . اصله بيقول ان عنده كرامة. .و اهي الفيسبا متلقحة تحت البيت .. عنده كرامة!!!!!!!.. انما انا و بهدلتي كل اسبوع و البت الصغيرة علي كتفي ..و اروح بيها الموسكي و الوكالة..و افاصل و اهاتي .. والزبونة دي تطلع عيني و دي تسم بدني.. ودي ما تدفعشي اللي عليها.. ده غير تمقيق العين... و لا شغل البيت و كوم الغسيل اللي هناك ده..و المطبخ...و محدش من العيال بيساعد.. و انا اللي اصرف و اشقي و اتعب.. ..و ادور علي شقة كمان..والبيه متلقح ياكل و يشرب وينام. ..ولما اقوله وصل ده ولا ده لزبونة وهات منها الفلوس... يضرب عليهم..و مدعوق ابو البيت و العيال و لا الطفح اللي ح يكلوا بيه حتي."ه


.
نظرت لي.. و كان الالم و الحسرة بادي علي وجهها الشاحب .. .و لاول مرة ألمح دموعها..تنهدت.. و اختنق صوتها بالدموع...ه


.
" انا مش طايقة اشوف وشه في البيت..و لا اسمعه ..صوته بينرفزني... عارفة..نفسي اركن الماكنة اللي قطمت ضهري...و ارمي هلاهيل القماش دي في وش الزباين..نفسي اروح البحر.. نفسي امسك مصروف البيت اول كل شهر ان شاء مية جنيه..بس تكون فلوس من جيبه مش من قطمة ضهري.. نفسي في مروحة كويسة بدل جهنم اللي قاعدة فيها و معذبة بيها الزباين في الاوضة دي.. نفسي في شقة بتاعتي..مش مطرودة منها كل اول شهر...نفسي اعيش مرة من نفسي"ه


.
سكتت
...و انا لم اجد ما اهون به عليها ... ابتسمت لي من جديد و هي تسلمني ردائي.." ح ياكل منك حتة"... كان تعليقها المرح


.
كانت
قد انتهت من ردائي الجديد..كما انتهت من جلسة الفضفضة الاسبوعية التي تهون من حالها.. تركتها لتحلم بالبحر والمروحة و "البيت الملك".. لعلها تجد بارقة الامل.ه