خيط دخان

أخرجت من حقيبتي علبة السجائر, فضضت عنها الورق الشفاف, دسست انفي به لأستمتع برائحة التبغ غير المحترق, ألقيت "السوليفان" بعيداً وضحكت..فأنا أعرف كم كنت تنزعج من علبة سجائرك دون تلك الورقة الشفافة السخيفة! أعرف الطقوس التي سأجريها هذه الليلة جيداً..(ال ام زرقاء) سجائرك المفضلة! الساعة الثانية إلا دقائق قليلة بعد منتصف الليل ..لم أنم..كنت قد ارتشفت فنجاناً من القهوة (المحوجة) كفيلة بإبقائي متسيقظة لأعوام قادمة! أخرجت دفتري وفتحت صفحة اليوم (12 ديسمبر) ! اقرأ قليلا منها: "..السابعة صباحاً..يوم جديد..ح اشوفك! الثالثة عصرا: قابلت (..) رغينا شوية واتغدينا سوا..وفكرتني ان النهاردة 12 ديسمبر...وانا مكنتش ناسية! السابعة مساءا: ..اشتريت السجاير من كشك عم صبحي..الراجل استغرب معرفش ليه..اشتريت شيكولاتة ومشيت! العاشرة مساءا: وحشتني اوي ..ح اقابلك الليلة ..ح تيجي انا عارفة..وانا ح استناك ! منتصف الليل: "هج الحمام منه وبقيت الي حالي الي حالي"*.. باكرهك يا فيروز!" ..ابتسم لما خطته يداي علي مدار اليوم..والان انها الثانية بعد منتصف الليل: بداية الطقوس...سنتلقي! ارتديت "السويتشيرت" الكحلي الذي كلما رأيته كنت تسخر من منظري وانا اعقص شعري الي الخلف, كأني استعد الي الركض في مارثون اوليمبي, كنت اضحك علي التشبيه , وأنا مرتمية كعصفور صغير بين احضانك الدافئة! لكني تركت هذه المرة شعري مسدلاً كما كنت تحبه..ووضعت الكثير من عطرك المفضل..لا ينقصه الان سوى أن يمتزج برائحة سجائرك..لأتدثر بوجودك! أشعلت "سيجارة" وحيدة..وأسندتها علي حافة "الطفاية" ...جلست بجوارها علي الأرض ..لا لأشاهدها تحترق, انما لتستدعي تلك الاطياف في صمت..! كان الدخان يتموج في أشكال عدة.. أولهم, كانت ضحكة جميلة جداً..ثم وجهك الهادئ..فكانت عيناك الحانية.. ثم يد تعلق بها اصبع طفلة صغيرة! تموج خيط الدخان الرمادي اكثر فأكثر..فأحدث دوائر صغيرة كتلك التي كنت تصنعها بهدوء حينما تدخن..!كنت تضم شفتيك..وتنفث الدخان بهدوء, و اطاردهم أنا بأصابعي الصغيرة كمن تعزف البيانو علي الهواء..فأسمع ضحكاتك وأنا أتراقص من حولك أطارد خيط الدخان! توشك السيجارة علي الانتهاء, استنشق اكبر قدر من النيكوتين ليحتل رئتاي.. لم أعد اسعل كما في السابق..صارت تلك الرائحة مألوفة جداً ..بل وجميلة جداً ..مدمرة جداً .. واشتاق اليها ..جداً, جداً! كان خيط الدخان الان يأخذ اشكالاً مرعبة تطارد رماد الذكريات العذبة! رأيت وجهاً مخيفاً, ليس بوجهك, انما وجه بلا ملامح..نظرة شاردة.. وجوه تبكي.. كانت أشباحاً الان! أشباح كتلك التي تزورني منذ ثلاثة اعوام الان في كل ليلة موحشة كتلك... تلك الاشباح الأليفة التي حدثتك عنها في مذكراتي.. تمنعني عن النوم قليلاً.. تحثني علي البكاء كثيراً, تجعلني ارتجف دائماً, ثم يبزغ الفجر..فاهدأ..أتلو بعض من الايات وأنام! كانت السيجارة قد احترقت عن اخرها..ونثرت الرماد من حولها ..فاتخذت انا هذا الوضع الجنيني المعتاد ..اسندت رأسي المتعب علي ركبتاي..وبعينين زائغتين, اشاهد الأشباح التي ظلت تحتفل صاخبة بعيد ميلادك هذه الليلة..اما انا فكنت اتمتم بالفاتحة.....لك!ه

(تمت)

_____

من أغنية "وحدن بيبقوا" لفيروز*